الحوثيون يمنعون التداول بالعملة الجديدة والمساءلة القانونية لمن يحوزها

حفصة عوبل-صنعاء
حرب، حصار، فقر، أمراض، جميعها وجدت حيث يوجد المواطن اليمني الذي يدفع الثمن باهظا لما يحدث من صراع بين الحكومة الشرعية وبين جماعة الحوثي والتحالف والذي توسعت رقعته في كل جانب خاصة الاقتصادي.
بتاريخ 19 ديسمبر/كانون الأول أصدر البنك المركزي في صنعاء -الذي يسيطر عليه الحوثيون- قرارا يمنع تداول أو حيازة الأوراق النقدية التي طبعتها الحكومة الشرعية، وعلل البيان بأن تداول وحيازة تلك العملة يشكلان إضرارا بالاقتصاد الوطني.
وحدد البنك مهلة ثلاثين يوما تبدأ من 19 ديسمبر/كانون الأول الجاري، لتسليم المواطنين ما بحوزتهم من الفئات النقدية الجديدة، وإذا لم يفعلوا فسوف يتعرضون للمساءلة القانونية.
منع تداول العملة الجديدة
بعد عام من إصدار قرار مماثل تمكنت جماعة الحوثي من إعادة هذا القرار مشيرة إلى أنه سيتم تعويض المواطنين الأفراد المغرر بهم من غير التجار والبنوك والصرافين بنقد إلكتروني أو بالعملة الوطنية القديمة عما بحوزتهم من عملة جديدة غير قانونية، كما جاء في البيان.
صالح البدري في العقد الرابع من عمره ذهب لإحدى الصيدليات لشراء دواء السكر كعادته، ولكنه فوجئ برفض أخذ الصيدلاني مبلغ المال منه، وأخبره بأنه لا يقبل العملة الجديدة، حينها توجه صالح إلى السوق السوداء واستبدلها بطبعة قديمة، ولكن الشخص الذي تعامل معه قام بخصم مبلغ يقدر بـ 10% من مبلغه الحقيقي كتعويض له بالصرف القديم.
يقول رشيد الحداد الصحفي المتخصص في الاقتصاد اليمني بصنعاء إن إعلان البنك المركزي في صنعاء عن منع تداول العملة المطبوعة من قبل حكومة هادي "الشرعية" جاء تحت مبرر أنها دون غطاء وخارج أي اتفاقات بين الطرفين، حيث جاء الإجراء الأخير الذي الزم التجار بعدم التداول بها تزامنا مع ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق المحلي.
حيث وصل صرف الدولار الواحد في صنعاء إلى 594 ريالا، وهو ما اعتبره بنك صنعاء نتيجة لحدوث مضاربة بسعر الصرف في السوق والذي سيؤدي إلى تدهور ما تبقي من استقرار معيشي لمعظم اليمنيين.

قرار النقد الإلكتروني
يعتبر النقد الإلكتروني في بعض الدول خاصة في القرن الأفريقي من القرارات السليمة للحفاظ على اقتصاد الدولة لأنه يشمل الدولة بشكل عام، لكن في اليمن هناك من يرى أن القرار الذي أصدرته جماعة الحوثي بصنعاء صائب لكنه قد يفشل وذلك لعدة أسباب تعيق نجاحه.
يقول أحمد شماخ الخبير المالي والاقتصادي إن قرار وقف التداول بالعملة الجديدة واستبدالها بالنقد الإلكتروني مناسب جدا إذا تمت دراسة الموضوع أكثر والاسترشاد بتجارب مماثلة من دول تستخدم ذات العملة، لكنه حاليا يعتبر مناسبا للظروف الحالية نتيجة انعدام السيولة وسيساعد في إيقاف تدهور الاقتصاد وتراجع قيمة العملة.
ومن رأي شماخ فإن القرار قد يواجه عوائق لأنه سوف يستخدم في محافظات معينة فقط، مما يعيق التعاملات الداخلية بين المحافظات وذلك بسبب وجود أربعة بنوك مركزية مستقلة في اليمن، وأيضا ستكون هناك عوائق في التعاملات التجارية العالمية لأننا في اليمن نستورد ما يقارب 90% من احتياجاتنا من الخارج.
ويعود الحداد ليوضح أن تلك الاجراءات التي اتخذتها صنعاء كان لها آثار نسبية في توقيف المضاربة بالعملة ولكنها تبقى إجراءات مؤقته وليست حلولا، فالحل كان ولايزال في تحييد الاقتصاد اليمني بشكل عام من الصراع وإنهاء حالة الانقسام المالي بين صنعاء وعدن.

تضرر المواطن
الحرب الاقتصادية بشكل عام كان لها أضرار كبيرة على حياة الملايين من اليمنيين، وأدت إلى تراجع كبير لسعر صرف العملة اليمنية أمام العملات الأجنبية وبمعدل انخفاض يصل 150% منذ بدء الحرب والحصار أواخر مارس/آذار 2015.
يقول شماخ إن القرار الذي أصدرته حكومة الإنقاذ "جماعة الحوثيين" في صنعاء هو قرار جيد بالنسبة للنقد الإلكتروني، والذي قد يساهم في حل كثير من المشاكل العالقة فيما يخص السيولة وانعدام السيولة في السوق المصرفي اليمني.
ويتناول فكرة مواجهة العدوان "التحالف السعودي الإماراتي" الذي استخدم النقد الورقي كأداة من أدوات الحرب على اليمن، لكنه قال إنها ربما تسبب أضرارا لشريحة الموظفين الذين يتسلمون رواتبهم من عدن وهذا سيكون مشكلة كبيرة عليهم.
وعند سؤال الجزيرة نت عن الحوالات الخارجية كيف سيتم استلامها عند تحويل النقود الورقية إلى إلكترونية، قال شماخ إن هذه الآلية سوف تنظم طريقتها، وربما قد يستلمها المواطن كما هي سواء كانت بالدولار أو بعملة أجنبية أخرى، بحسب اتفاق المحول والمحول اليه.
يقول خالد الشهاري أحد تجار الجملة في الأجهزة الإلكترونية بصنعاء إنه متضرر من هذا القرار، ويتساءل لماذا لم يتم منع دخول العملة الجديدة من قبل؟
هذا وقد أعلنت نقابة التجار اليمنيين بصنعاء عن إضراب شامل وإغلاق محلاتهم في موعد 1 يناير/كانون الثاني 2020 بسبب الإجراءات التي اتخذها البنك المركزي بصنعاء.
ويؤكد الحداد أن تلك الإجراءات من سلبيتها أنها تحد من النشاط الاقتصادي بين الشمال والجنوب، وستضاعف التحديات التي تواجه القطاع الخاص جراء الصراع، وسيكون لها آثار سلبية على حركة الأموال بين البنوك.

استمارة التعويض
أزهار موظفة في إحدى شركات الصرافة تشرح كيفية تعويض من يملكون المبالغ المالية بالطبعة الجديدة حاليا، في الفترة التي سمح للمواطن بتغييرها وحتى نزول الريال الإلكتروني إلى السوق.
وتقول إنه يتم تحويل المبالغ المالية من "الطبعة الجديدة" في المصارف والبنوك والتي تكون أقل من مئة ألف ريال إلى طبعة قديمة، لكن عند نزول الريال الإلكتروني إلى السوق حينها سيكون لدينا استمارات معينة ستقدم للمواطنين والتجار وتوزع في محلات الصرافة والبنوك وتكون عبارة عن طلب تعويض مالي ويتم تحويلها فيما بعد إلى عملة إلكترونية.
وقال وزير الإعلام في الحكومة الشرعية معمر الإرياني، عبر تغريدة على تويتر، إن "التعميم يهدف إلى الاستحواذ على أموال شركات الصرافة، وذلك لإفقارها وحصر الصرافة والتجارة بين أتباع الحوثيين لتسهيل تهريب أموال الجماعة من وإلى الخارج".
وأشار إلى أن تداول العملة الجديدة في صنعاء وغيرها من المحافظات يمثل أكثر من 30% من حجم السيولة النقدية.
ورغم احتدام الصراع الاقتصادي بين أطراف الصراع اليمنية، فإن معين شريم نائب المبعوث الأممي لدى اليمن أكد الأسبوع الماضي أن هناك ترتيبات تجريها الأمم المتحدة لعقد جولة مشاورات مطلع الشهر القادم لحل المشكلة الاقتصادية.
ويأتي ذلك في ظل ارتفاع الأصوات المحلية والدولية التي تطالب بتحييد الاقتصاد اليمني عن الصراع، وقد يكون ذلك أولى خطوات التهدئة ومدخلا أساسيا إلى المضي في مشاورات الحل الشامل.